إحنا جيلنا يا يونس زي ورق الخريف ...عارف ايه هو ورق الخريف ؟؟؟ هو ورق الشجر إللي بيذبل من البرد و المطر و التراب ...ويقع من علي الشجرة وحيد ميت ... مكسور و مع اي لمسة الكسر بيحوله لتراب ...تراب بيرميه الريح لكل مكان

الأحد، 14 سبتمبر 2008

اعمال صديقة ... علي غرار النيران الصديقة ... (( شهادة وفاة )) للصديق محمد الدسوقي ..

قبل كل شئ دعوني اخبركم عن قصة صغيرة ..
قصة مدونة اسمها اوراق الخريف ..
هنا في هذه المدونة ارتاح بشدة ... اجد فيها بيت لي لم اجده علي ارض الواقع ... بيت ملئ بالشجن .. بغضب علي الواقع ... بيت يحمل كل ما بداخلي .. فأنا لا أنكر ان بداخلي شجن و حزن اري اني لم انجح في إخراجه حتي الأن إلا عبر هذه المدونة ... حالة خاصة بي تغمرني طوال الوقت .. و بالتالي كان قلبي يميل للاغاني التي تميل إلي الشجن ... الأفلام التي تتعمق في معاني الفرح و الحزن و الأحاسيس ... المقالات التي تلخص حالنا و حال الناس و الدوائر المفرغة التي ندور فيها و كئوس العذاب التي نتذوقها جميعا جرعة جرعة ...
بالتالي عندما أقرء قصة ما ... لا مجرد انها اعجبتني ... بل اخرجت شئ كبير من صدري .. من نفسي ... شعرت ان لساني معها يتدحث و يرويها سطرا بعد سطر ... استأذنت من صديقي محمد الدسوقي ان اقتبس منه هذا العمل و انا اخبره ان مكانه هنا في مدونتي لأنه يتحدث عني و يخرج مما بداخلي ... قصة شهادة وفاة التي لم يقرئها أحد إلا و اعجب بها و خلع القبعة احتراما لها و لكاتبها ...
هنا اضعها و انا اقول لمحمد الدسوقي ... انت تحدثت بلساني ... انت قلت و اخرجت حالة و احساس من الأحسايس التي اتحدث عنها في هذه المدونة ... اخرجت حالة و احساس من داخلي ...







(( شهادة وفاة ))



في غيامة الرؤية التي أحاطت بعقلي حينما لا مست قدماي رصيف الشارع كان قناع من جمود يكسو كل ملامحي وقد حجب المشهد أمامي غلالة جاهدت كي أزيحها عن عينيي وأنا أحاول أن أتغلب على هذا الزحام الذي احتشد أمام منزل في بداية المنعطف الصغير حتى أني لم أشعر بذلك الشخص الذي اندفع نحوي كالسهم حاملاً عني الحقيبة ولسانه يردد عبارات لم أتبينها ولم ألق ِ لها بالاً وإن كانت لا تبعد كثيرا عن (عنك أنت يا بيه) التي اعتدتها كثيراً بينما عني آخر بغلق باب السيارة التي هبطت منها للتو ... صوت واحد تردد في فراغ رأسي كما يترد الصدى في الحجرة الواسعة كان عامل الصحة الذي يدعي الحذق ويعشق الظهور والذي اندفع نحوي بدوره ثم راح يتقدمني بخطوات ضيقة موليا جانبه للزحام بينما راح يفسح أمامي نهر البشر وهو يميل نحوي قائلاً:
ـ " عاوزين نخلص إجراءاتنا بسرعة يا باشا .."
ثم أتبع برجاء مصطنع:
ـ " ربنا يكرمك يا بيه أنت عارف إن عم مجاهد الله يرحمه ماكانش له حد غيرنا "
لا أدري لماذا شعرت بهذا الكم من الضيق على الرغم من أنها ليست المرة الأولى لذلك وأني لم أظهر له ذلك الشعور من قبل كل ما فعلت أن أومأت برأسي بلا معنى ولا ريب عندي أنه قد فهم في ذلك تأكيداً مني لكلماته .. كان هذا بينما أعبر بقدمي للمرة الأولي عتبة البيت على الرغم من أن عم مجاهد يعمل معنا منذ سنوات ولا أدري لماذا وقتها طالعت بهو المنزل المتخم بالبشر بهذا الاهتمام كأنما أبحث بين الركام عن وجه مفقود بلا فائدة .. كان هذا قبل أن يستقر بصري على الجدار المقابل حيث طالعتني صورة أبيض واسود اصفر ورقها بينما غلفها إطار قديم لعم مجاهد بعكازه الأثير وعلى وجهه ابتسامة فخورة بينما تعانق يده يد الرئيس أنور السادات في زيه الرسمي .. من منا لم يعرف قصتها .. !!
ـ " وسع يا أخينا منك له الدكتور وصل..عاوزين نخلص تصريح الدفن عشان ننتهي .. إحنا ورانا لسه دفنة يا جدعان ..! "
قالها عامل الصحة وهو يدفعني بيده نحو حجرة عم مجاهد المغلقة ..
* * *
ـ " عم مجاهد ده بركتنا كلنا يا دكتور "
قالها وهدان مختص التوظيف وهو يقدم لي عم مجاهد فرفعت عينيا نحو الرجل الذي تقدم نحوي بخطوات مترنحة كبندول مجهد تتقاسمها ساق إنسان وحيدة وعكاز خشبي غليظ .. والعجيب أني لم ألتفت إلى ملامحه للوهلة الأولى .. بل خطف انتباهي هذا العكاز الذي ارتكن عليه الرجل بينما امتدت يده نحوي فصافحته سريعا ولا ريب أن وهدان نفسه قد شعر بما يعتمل في رأسي فبادرني قائلاً :
ـ " عم مجاهد من أبطال الحرب يا بيه .. كل الناس هنا يعرفوه كويس .. "
ثم أكمل بحذق كأنما يحاول أن يحتوي ما قد يتبادر لذهني من رفض قائلاً:
ـ " بعدين ده هيشتغل معانا مؤقتا .. أصل .. "
هنالك تحدث عم مجاهد للمرة الأولى وقد فهم بدوره ما يدور بخلدي
ـ " أصل الرئيس نفسه وعدني أنه هيوفر لي شغل يا بيه "
لفتت عبارته إنتباهي بشدة فاستدرت أطالع ملامحه الودودة للمرة الأولى وهو يتبع بحماس:
ـ " الرئيس السادات نفسه يا بيه وصى عليا المحافظ ووعدني أنه هيشوفلي شغلانة قريب "
وهنا التقط وهدان طرف الحديث من لسانه قائلاً:
ـ " عم مجاهد الرئيس كرمه في احتفالات أكتوبر إللي فاتت باعتباره من أبطال الحرب ووعده أنه هيوفر له شغلانه ياكل منها عيش بس لسه المحافظ مبعتلوش "
وحينما شخص بطرف عينيه نحو ساق الرجل الوحيدة فهمت ما يعنيه لكني لم أجد وقتها ما أقول فاستدرت بدوري نحو عم مجاهد قائلاً:
ـ " أنت عندك ولاد يا عم مجاهد ..؟ "
ردد وقد لانت ملامحه عن ابتسامة:
ـ " عندي علي يا بيه ربنا يحميه "
بادلته الابتسام وأنا أتبع:
ـ " دا عال قوي بس أنت تاخد بالك منه هو و مراتك "
تفجرت في ملامحه ابتسامة من نوع آخر ثم أتبع :
ـ " أم علي تعيش أنت يا بيه "
تنحنحت في حرج:
ـ " تعيش وتفتكر يا عم مجاهد "
ثم استدرت نحو وهدان لأخفي حرجي
ـ " خلاص أنت تشوف إجراءاتك .. من النهارده عم مجاهد معانا .. وإن حب يفضل معانا على طول أهلا بيه"
قلتها وانصرفت بينما شيعني الرجل بدعائه
ياااه .. لكم تدور الأيام سريعاً يا عم مجاهد ..!
* * *
في جوانب الغرفة خافتة الإضاءة كانت الحياة تردد باقتدار عابث أنشودة الموت بينما تعبق رائحته جو الحجرة من حولي
رائحة لا يدركها إلا من قدر له أن يعتادها
وأنا أعتدت هذه الرائحة
اعتدتها في هذا الصمت الذي لا يشوبه ضجيج
وذلك السكون الخال من الحركة
وذلك الجسد المسجى أمامي وقد فارقته الحياة
* * *
ـ " أنت مش ناوي تموت بقي يا عم مجاهد..؟ "
رددها وهدان في وجهه بلا مبالاة من باب المزاح الثقيل في جلسة مازحة
لم تترك الكلمة تأثيرها المتوقع على وجه عم مجاهد الباسم .. بل زادته ابتساماً حتى أني قد تعجبت لذلك قبل أن يقول برضا:
ـ "ربنا يديكوا طولة العمر يا سيادنا "
ثم استأنف بينما يستدير نحو وهدان متنهداً:
ـ " ماأنت لو كنت معانا في الحرب من أول النكسة لحد معبرنا القنال مكانش همك الموت .. الموت كان متبت في رقابنا كلنا كأنه حالف ما يسيبنا .. والمحظوظ بس إللي نفد منه "
ثم صمت برهة عاد بعدها ليقول:
ـ " يووووووه هأقولك إيه ولا إيه .. كانت أيام .. كان ييجي علينا الليل ما نعرفش لو نمنا هنصحى تاني ولا لأ.. ولو جه النهار وصبحنا خمسة ولا ستة ييجي الليل واحنا بالميت إتنين ولا تلاتة .. دا إحنا شفنا أيام ما يعلم بيها غير المولى .. كل صبح يطلع علينا أقول مش هييجي المسا ولو جه المسا أقول مش هيطلع عليّ نهار .. دا حتى مراتي وابني حسبوني مش راجع لهم تاني والولية حسبتني رميت عليها الحمل واتوكلت "
ثم هز رأسه في قلة حيلة قبل أن يتبع بأسى:
ـ " حداشر سنة من قبل النكسة وبعد ما عدينا القنال ولحد ما حبسوني ولاد الكلب في سجونهم .. ولحد الله يعمر بيته الرئيس مرجعني في اتفاقيات الأسرى دي ولا اسمها ايه والله منا عارف.. "
ثم تنهد مرة أخرى حتى شعرت بحرارة زفيره تكاد تحرق وجوهنا قبل أن يعاود الحديث:
ـ " كانت أيام الله لا يعودها ولا يوريها لحد فيكم .. ولا حد يعز عليكوا "قالها ثم استدار بنظره نحو وهدان ليستأنف حديثه:
ـ " وأديك زي ما أنت شايف مسكت في الدنيا زي الشبطة .. وأديني قدامك أهو ومراتي اللي ربنا افتكرها وسابت لي الواد في رقبتي .. الظاهر الدنيا هي اللي طلعت متبتة فيا "
قالها وأطلق ضحكة طويلة فضحكنا له
* * *
بينما كنت أكشف الغطاء عن جسد عم مجاهد النحيل المتخشب وقعت عيناي على صورة ذات إطار مذهب لابنه علي يحتفظ بها بجوار فراشه .
* * *
ـ " الواد يا بيه بقى له أربع أيام ما بياكلش .. من يوم ما عرف إن الكلية اختارت واحد غيره يتعين معيد .. أقوله يا بني دا أنت طول عمرك البريمو يقول اختاروا التاني عشان أبوه أستاذ في الكلية.. طيبت بخطره وقلت له وإيه يعني أستاذ في الكلية ما أنت كمان أبوك مش شوية دا الوزير نفسه يعرفني .. هأروح له وأقوله على اللي جرى وهو هيتصرف "
هززت رأسي في مرارة بينما يتبع:
ـ " الواد زعق في وشي يا بيه .. أول مرة علي يزعق في وشي وقال لي أنت ما تبتش من أيام الوظيفة اللي الرئيس وعدك بيها ؟ "
ثم اختنق صوته وهو يتبع بنبرات مكلومة:
ـ "تصدق زعلت منه يا بيه .. و كله كوم ولما خلع صورتي مع الرئيس السادات الله يرحمه وعايز يكسرها ..!
ولولا أني حلفته بروح الغالية كان عملها .. ومن يوميها وهو قافل علي نفسه باب أوضته ولا راضي ياكل ولا يشرب .. "
ثم انشقت من خلف ملامح الأسى في وجهه ابتسامة طيبة متوسلة وهو يستعطفني قائلاً:
ـ " والنبي تكلمه يا بيه .. هو بيسمع كلامك .. أصلك بتعرف تقول كلام كبير زى كلامه .. إنما أنا قليل الحيلة لا بأرد ولا بأصد معاه .. الواد طول عمره بيتكلم زي الناس الكبار اللي بييجوا في التليفزيون .. وأنت عارفني يا بيه دا أنا حتى مبعرفش أفك الخط .. قوله أبوك مش زعلان منك .. ولا عمره زعل منك .. دا أنت نني عنيه من جوا ... وقوله بس إن أنا صعبان عليا قلة أكله وشربه .. دا أنا مليش غيره .. وإن كان على الشغل .. أنا هأروح للمحافظ وأكيد هيشوف له شغلانة .. وقوله مش هأقول للمحافظ إني من أبطال الحرب .. ولا هجيب له سيرة رجلي إللي اتقطعت .. أنا بس هأقوله إن ابني طول عمره البريمو في الكلية وهو هيجيب له شغلانة على طول .. هما يطولوا واحد زيه .. ها يا بيه قلت إيه .. هتكلمه..؟ "
* * *
امتدت يدي تتفحص جثة عم مجاهد في آلية بحكم العادة .. وعلى الرغم من أن شعور الجميع أمام الموت سواء إلا أنها المرة الأولي التي أرتجف فيها أمام الموت بهذه الصورة حتى أني تراجعت للوراء وحتى أواري هذا التوتر الذي شملني عن عيني موظف الصحة التقطت واحدة من سجائري وأوليته ظهري ثم استدرت باتجاه النافذة و نفثت دخان ثورتي مع دخان السجائر .. وعلي الرغم من ذلك فقد أتاني صوته بادي الأسى قائلاً:
ـ " ربنا يديك طولة العمر يا دكتور .. عم مجاهد أثر فينا كلنا "
وفي آلية وبلا شعور سألته:
ـ " مفيش أخبار لسه عن علي ..؟ "
بعد تنهيدة امتزج فيها الأسى بالنقمة أجاب:
ـ "وهو حد عارف أراضيه من يوم مسافر .. يالله بقى ربنا يسامحه ..! "
* * *
ـ " الصغير بيكبر يا بيه .. والكبير بييجي له يوم ويسيبك .. والواد راسه وألف سيف لازم يسافر .. أقوله هتسيبني لمين..؟ يقول لي مش أحسن ما أقعد جنبك زي البيت الوقف .. ولا عايز تصرف عليا كمان بعد تخرجي .. قلت له يا بني خليها علي الله .. ورب هنا رب هناك .. والمقسوم هييجي لحدك .. سكت و مردش .. المرة دي لا بيرد ولا بيصد .. وأنا مش عايزه يسافر يا بيه .. قلت له يا بني الواحد كبر .. والأعمار بإيد الله .. وأنا مليش إلا أنت .. يرضيك أنام من غير ما أطمن عليك يا علي .. يرضيك ما أشوفش وشك كل يوم الصبح "
سألته كمن يلقي التسائل عن كاهله:ـ "وقال لك إيه..؟ "أجابني بينما يمسح دموعه:
ـ " مردش يا بيه .. سابني وخرج .. الواد اتغير يا بيه .. مش دا علي .. اللي مزعلني إني مش عارف أعمل له إيه ... والنبي يا بيه وحياة ولادك تكلمه تاني .. دا جميل مش هانساهولك "
* * *
كلمات كثيرة ألقيتها على مسامعه ...
عن الانتماء..
عن الوطن ..
و عن أبيه ..
* * *
لم أنس بعد نظرته لي ... ولا كلماته التي أطلقها في وجهي كرصاص ..!
ـ " أما الانتماء .. فقد لفظته كما يلفظ المريض ما يعييه ... لابد لأحدهما أن يقضي على الآخر .. "
ـ " ولا تحدثني عن الوطن فلا وطن ... فبين أنياب الفقر وقواطعه تموت هذه الكلمة ... وتدفن في دروب الاحتياج ... و في النهاية تدهمها الأقدام في الزحام ...! "
ـ " أي وطن لمن أمضى حياته في حلم سلبه الوطن .. أي وطن لمن بذل أبوه فيه عمره وساقه بلا مقابل ..! "
ـ " وأما أبي فقد أصبحنا مرادفين لكلمة واحدة في أقصوصة الوطن الذي تزعمه .. أصبحنا ككل الناس .. نفس الحكاية .. حكاية الطيور الصغيرة التي تشارك الجوارح عيشتها .. طيور لا عش لها .. ولا تعرف كيف تبني العش .. ولو عثرت عليه لبعثرت قشه .. إنها طيور لا تعرف لها مستقراً .. فلا كيف ولا أين تبقى .. ولا أين تحلق .. إنها حكاية رعب دائم .. ومطاردة أبدية .. ولو مع الذات "
* * *
وسافر علي ...
سافر بلا انتماء ..
لــلا وطن ..
وحيث لا أب له ..
سافر لأنه لا أنا ولا غيري ملك وقتها ما يقال ..!
* * *
وكما احتوت الغربة علي هناك غرق أبوه في بحارها هنا ..!
* * *
لم أجرؤ على فتح النافذة فدهمت عقب السيجارة بقدمي .. واستدرت مرة أخرى نحو الجسد المنهك الذي قدر له أن يستريح أخيراً
* * *
ـ " مفيش أخبار عن ابنك يا عم مجاهد ..؟ "
قلتها في آلية من لا يجد ما يقول من بين شفتين أرهقهما الزمن أتتني إجابته
ـ " بيبعت لي كل شهر جواب .. ادعيله يا بيه ربنا يخليلك عيالك ومتشوف فيهم حاجة وحشة "
* * *
ـ " مفيش أخبار عن علي يا عم مجاهد ..؟ "
شرد طويلاً .. وبدا كمن تسيطر على عقله غمامة قاتمة
ـ " فين وفين على ما يفتكرني بجواب يا بيه .. ربنا يرد غيبتك يا ابني قادر يا كريم "
* * *
ـ " إيه أخبار ابنك يا عم مجاهد..؟ "
هذه المرة دحر الصمت مقدرته على الكلام .. ثم استدار يجر نفسه وقدمه الوحيدة ومضى ..
كانت المرة الأخيرة التي أراك فيها يا عم مجاهد ...!!
* * *
ـ " معلش يا دكتور .. أنت عارف إن الوقت ضيق والناس عاوزين يشيعوا الجنازة عشان كل واحد يشوف مصالحه "
قالها موظف الصحة وهو يمد يده نحوي بالقلم بينما تشبثت يده الأخرى بدفتر تصاريح الدفن فتناولته منه بلا حيلة ..
خانات فارغة ملأتها بآلية من اعتاد هذا العمل .. ثم وقفت عيناي عند خانة فارغة تصدرتها عبارة سبب الوفاة..!!
* * *
ـ " الرئيس نفسه وعدني أنه هيوفر لي شغل يا بيه ... "
ـ " كان بييجي علينا الليل ما نعرفش لو نمنا هنصحي تاني ولا لأ.. ولو جه النهار وصبحنا خمسة ولا ستة ييجي الليل وإحنا بالميت إتنين ولا تلاتة ... "
ـ " الواد يا بيه بقي له اربع أيام ما بياكلش ... "
ـ " أنا بس هأقوله إن ابني طول عمره البريمو في الكلية وهو هيجيب له شغلانة على طول .. هما يطولوا واحد زيه ... "
ـ " أصبحنا مرادفين لكلمة واحدة في أقصوصة الوطن الذي تزعمه ... "
ـ " ربنا يرد غيبتك يا ابني قادر يا كريم ... "
* * *
لمحت بطرف عيني صورة علي بجانب الفراش .. وارتسمت في مخيلتي صورة أبيض وأسود بإطار قديم يتصدرها رجل بعكاز .. ثم جرت يدي بالقلم سريعا في الخانة الفارغة كأنما أفرغ عن كاهلي ثقلاً هائلاً بعبارة جافة اعتدتها .... لا جـــريمة ..!!



تمت

بالطبع لا اسئلكم عن رايكم إن كانت جميلة و مبدعة ام لا ... فهذا شئ مفروغ منه
بل ما رأيكم ...؟؟؟ هل فعلا لا جريمة ؟؟؟
مدونة صديقي الرائع و مؤلف هذه القصة البديعة محمد الدسوقي ... الدكتور محمد الدسوقي

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

القصة دي كانت من أول القصص اللي عرفتنا علي محمد

واد ايه هو حد رائع افخر انه اخويا

جميل اختيارك يا يوسف

:))