إحنا جيلنا يا يونس زي ورق الخريف ...عارف ايه هو ورق الخريف ؟؟؟ هو ورق الشجر إللي بيذبل من البرد و المطر و التراب ...ويقع من علي الشجرة وحيد ميت ... مكسور و مع اي لمسة الكسر بيحوله لتراب ...تراب بيرميه الريح لكل مكان

الاثنين، 8 سبتمبر 2008

انا قتلت ابني !!!


شد اخر نفس من الحجر المرصوص امامه بعناية ليتدفق الدخان داخل صدره و ينتشر في دمه و في اقل من جزء من الثانية كانت تلك اللسعة اللذيذة تصيب مخه و تدور الدنيا به ..
برفق وضع الكنشة علي الصخرة التي امامه و تناول من جانبها كوب الشاي ليأخذ رشفة منه ..
(( حتي ولاد الناس ميعرفوش يشوفوا منظر زي دة وهما عاملين دماغ ))

قالها ذلك الجالس بجانبه و هو ينظر إلي الجبل و إلي ما يطل عليه الجبل خصوصا و ان ضوء القمر صنع منظرا مهيبا علي صخور الجبل و البيوت المترامية امامه يسكنها الصمت و الظلام ... و الفقر ...

لم يجيب عليه لم يكن مفعول المخدر الذي يتعاطاه يجعله يتكلم مثل اقرانه بل يشرد طوال الوقت ...

(( ياعني احنا ياعني إللي ولاد كلب يا بيبو )) قالها اخر وهو يرشف من شايه هو الأخر

يتمني لو يغلق اذنه الأن حتي لا يسمع هذا الكلام المكرر و يتأمل وهو في هذه الحالة شروق الشمس علي تلك البيوت وسط هذه الصخور الصفراء ...
(( ده هما إللي ولاد حرام يا صاحبي ... لسة النهاردة مثبتن عيلين منهم الواد كان شايل حتة موبيل ... تقولش كومبيوتر... اه و النعمة الواد مرسي قالي وهو بيشتريه مني دة مش بيتباع هنا ... اكيد الواد دة جايبه من السعودية ))

(( طاب مجبتوش معاك ليه قبل ما تبيعه اشوفه كان يمكن اشتريه منك ))

دائما يشرب لينسي و عندما يشرب يجد نفسه يتذكر كل شئ و كيف ان ابنه نائم الأن دون سحور و انها تنتظره لترمقه نظرة عتاب علي ما يفعله بدلا من توفير اي شئ لهم و لكنها لا تجروء ابدا علي قول شئ ... هذا لأنها تدرك كل شئ ...
(( تشتريه مين يا ... امك دة لو مشيت بيه يا معـ .... تتمسك ))

كانت اغبي حركة فعلها طوال حياته ان تزوج و انجب ... لطالما ظن ان الموضوع سيكون اسهل لأنها منه و من نفس طينته ... و لكن عندما اتي الأبن تغير كل شئ ... ادرك ان تلك الرمال التي اعتاد عليها و لم يشعر بعفرتها قد دفنته ..

(( يا بيبو لم نفسك و متشمتش حد الفجر حيأذن في اي وقت و نبتدي صيامنا ))

(( استغفر الله العظيم ))

منذ اول مرة غرز نصل مديته في صدر تلك الفتاة ليخلع عنها كل ذهبها و بثمنه احضر اللحمة ليتذوقها ابنه لأول مرة بدء يشك في وجود إله

(( لسة فاتحين مطعم جديد فوق بس ايه من النوع الغالي ... حيجيب رجل حلوة جمب المكان و شباب بقا و عربيات حيبقوا محتاجين حد يظبطلهم حشيش ))

(( هو صاحبك ليه يا بيبو ساكت علي طول كدة هو كل مايشرب معانا ينام ))

انطلقوا في حالة ضحك هيستيرية بينما تجاهل هو ما قيل و نظر للسماء و رغما عنه ردد بداخله سبة للدين و للحياة التي يعيشها ...
(( جري ايه يا خالد ... ماتحضر معانا الكلام ))
ادار راسه لهم و تطلع إليهم ...
(( ما تقولنا عملت ايه في الواد بتاع الفرش إللي في القلعة إللي أخد منك الـ 20 جنيه و مرجعهمش ))
الكلام يأتي ثقيلا من فمه وهو في هذه الحالة لكنه قال ببرود
(( فرشه جابلي فوق العشرين جنيه 100 جنيه لما بعتهم ))
(( انت اخدت منه الفرش ))
(( و خليته ميقفش تاني هناك ))
اطلقوا جميعهم ضحكة عالية مجلجلة بينما قال احدهم

(( و الله حرام عليك ... تقبلهم إزاي علي نفسك دة برضه في النهاية اكل عيشه ورزقه كنت تعور امه و خلاص ))

قال بيبو وهو يلقي بما تبقا من تفل الشاي علي رمال الجبل
(( ملعون ابوه بن كلب مش عمل فيها دكر و بدد علي العشرين جنيه يستاهل .. حلال إللي حصل فيه ))
نهض و توجه إلي الحافة يلقي نظرة علي منزله المرمي في نهاية الصدع ملتصق بالجبل من الناحية الأخري

(( ملعون ابو الدنيا علي اي كلب معاه يأكل عياله و انا لأ ))

اطلق بيبو ضحكة كبيرة وهو يقول

(( محضرتوش خالد من يومين لما كنت معاه في شارع القصر العيني كنا بنبيع طبق فاكينه .. حتة بت موزة كانت معدية و نص صدرها مكشوف و رايحة تركب عربيتها في ثانية ماكنتش لاقي خالد جمبي و الثانية إللي بعديها كان البادي بتاعها دة حتتين وهي في قلب الشارع و خالد كان وصل الزمالك اساسا ))

(( ماحدش جري و راه ))


(( مين يجري وراه ياعم كله كان عمال يتفرج ))



لابد انها ايقظت الفتي الأن ليشرب شربة ماء من الزير قبل الفجر و ينام مرة اخري لكنه متأكد ان الفتي لا يصوم و ان السجاير اسفل المخدة جاهزة لأصطباحته ... لم يجروء يوما علي ان يفطر في رمضان رغم انه لم يركع منذ عقود اي ركعة ... تري ماذا سيكون هذا الفتي عندما يكبر ...

(( يخرب عقلك يا خالد انت حايح للدرجة دي ))

رد بيبو وهو يلم الكنشة ويضعها في الكيسة بعد ان انتهي استعمالها

(( دة إللي انا قولتهوله لما شفته لقيته ماسك في ايده السلسلة بتاعتها ))

تناول خالد حجر من الأرض بينما انطلق الجميع في الضحك مرة اخري

(( السلسلة هلي إللي طلعت في ايديا ))

ثم قذف الحجر نحو منزله بعيدا اخذ يراقب الحجر وهو يهبط ويهبط ويهبط و بداخله كانت هناك سبة اخري لدين حياته و البلد و الناس و الفلوس ...
وقبل ان يسقط الحجر ... قبل ان يضع بيبو الكنشة في الكيسة ... قبل ان يكتمل السباب بداخله ... كان صوت الطرقعة اكبر ليصم اذانهم حتي انه لم يسمع صوته الداخلي ...
و كما لو انها سبة من الدنيا له لترد حقها راي مصدر الطرقعة الفظيعة و الجبل ينقسم قسمين و يهبط علي المنازل صانعا عاصفة ترابية مهولة ...
استمرت الضوضاء و لم يعد بإمكانه رؤية البيوت او الجبل من الغبار ...

في البداية القي اللوم علي السطلان الذي اصبح يهيئ له اشياء غريبة ... لكنه بدء يدرك انه لا يوجد اي نوع من المخدرات هلوساته واقعية إلي هذه الدرجة راي الجميع يهرولون تاركينه نحو العاصفة الترابية ليختفوا بداخلها ...

لم يعد يري بيته بل مكانه و عشرات البيوت من حوله صخرة ضخمة بحجم كل تلك البيوت بل ضعفهم ...
وجد نفسه يهوي علي الأرض و اقدامه لا تحتمل حمل وزنه اغرق وجه في التراب وهو يصرخ ...

انا قتلت ابني .... انا قتلت ابني ...

هناك 4 تعليقات:

Waan يقول...

the only comment is no comment

د. محمد الدسوقي يقول...

دائماً ما كان يشغل بالي تساؤل أعتبره هاماً ..
" ماهي هي فائدة الأدب "
ولاريب أني حينما كنت أقرأ مجموعة معينة من القصص القصيرة التي مرت عليّ كنت أجد الإجابة بصورة أو بأخرى لهذا التساؤل ... وأعتقد أن هذه القصة واحدة من القصص التي تحمل الإجابة وتطرحها في وجهك مباشرة بلا زيف أو تجمل ... والإجابة ببساطة هي أن الأدب لم يصنع للمتعة والسمو بالروح فحسب ... بل هدفه الأول كما يتبدا لي هو أن يطرح القضايا ويطرح الوجه الحقيقي للعالم بلا رتوش أو تجميل ...
وأعتقد أن هذه القصة تؤكد هذه الفكرة بعمق ...
القصة تتعرض لنوع من البلطجية المهمشين ساكني العشوائيات وتكشف اللثام بصورة من عن عالمهم مؤكدة أن لكل فئة فره الخاص بقدر ما له من نظرة ما عن العالم من حوله نابعة في الغالب وان لم يتجلى هذا بصورة مباشرة من نظرة العالم ذاتها نحوه ...
العمل يعرض بمهارة وواقعية وحرفية أسلوب الحوار المعتاد بين بعض من قاطني هذه العشوائيات ... والحقيقة أن الحوار على واقعية إلا أنه اختل في بعض الأجزاء ربما لإصرار الكاتب على الواقعية الشديدة متناسيا أن حتى لغة الواقع لابد لها من سياق أدبي معين ..!!
ثم يدفع بنا الكاتب بعد هذا التمهيد المقصود إلى الخوض في المحور الرئيسي لقصته حينما انهار الجبل فوق بيوتهم الغارقة في السكون لينتفضوا من بعدها كأنما أراد الكاتب أن يترك الانطباع العام بأن الكوارث وحدها قادرة على إنعاش هذا الشعب الغارق في الثبات حينما ردد بطل قصته بحزم " أنا اللي قتلت ابني " وهي حقيقة مؤكدة أثبتتها تجارب هذا الشعب منذ الأزل ...
العمق كان هو السائد في العمل ... فالكاتب يعرض بأسلوب سلس جميل فكرته من خلال حوار مباشر واضح المعالم لختمه بنهاية جيدة ترتبط وبشدة بجو القصة حتى أنه تبعد عن الافتعال بكل تأكيد بحيث يصعب فكها عن القصة أو العكس وهي مزية تفرق بين كاتب وأخر ... وفي النهاية لا تملك إلا أن تتعاطف مع بطل القصة على الرغم من اعتراضك ورفضك التام لسلوكه العام وهي نقطة لصالح النص...
يبقى أن القارئ في النهاية لا يمكنه الحكم على العمل إلا كقطعة واحدة دون التنويه عن مراكز قوة أو ضعف ...
العمل أعجبني بشدة وأكثر ما جذبني فيه مقدرة الكاتب على التوغل في داخل المهمشين ورصد أسلوبهم في التفكير وهذا ليس بمستغرب على كاتب مثله أعتقد أن شغله الشاغل هو الإنسان بكل حيثياته وتفكيره .... لكني على قناعة تامة أنه مازال يملك ما هو أكثر بكثير ...
تحياتي الخالصة ...
وفي انتظار جديدك في هذا المجال الذي تملك عناصره وتهيمن عليها بقوة ...

غير معرف يقول...

كل الكلام اللي كنت عاوزه اقوله تقريبا قاله محمد

بس كمجمل القصة جيدة

وفكرتها رائعه ..

تحياتي

محمد حلمي مخلوف يقول...

قصة جيدة بعنوان اضرها كثيرا فانا أري العنوان مفتعل وغير فني(انا قتلت ابني)لا يصلح عنوانا لقصة كثيرا
ولكني استمتعت كثيرا بالقصة ورصدها لعالم المهمشين حتي كلماتهم واسلوبهم واقعي بدرجة كبيرة
مودتي