لا شك في أننا شعب يستطيع التعايش و إيجاد المتعة و النشوة تحت أي وضع و مهما كانت الظروف ... ولو بإلقاء نكتة أو إفيه في لحظة إكتئاب أو تجهم أو حتي (( قلشاية )) من مصدر الفعل (( قلش ))
و أن ثقافة المزاج ثقافة متأصلة في وجدان الشعب و لذلك انتشرت القهاوى و أصبحت جزءا أصيل من ثقافة الشعب المصري بمختلف طبقاته لتوفر لك المشروبات المزاجية بعيدا عن المشروبات الساخنة أو الباردة المعتادة في الكافيهات الأخرى التي لا يجوز تسميتها بقهاوى ..
و تبعا لثقافة المزاج ... كانت المخدرات و خصوصا الحشيش و يليه الخمر و البيرة تواجد صريح و سافر في الموروث الثقافي الشعبي المصري و شخصية المسطول في حكايات و روايات المواطن المصري تفوقت بمراحل على حواديت جحا أو ابو العربي أو الصعيدى أو المنوفى ...
و رغم تأصل الحشيش في تاريخ المجتمع المصري بكل فئاته لكن تحول المخدرات إلى ظاهرة سافرة و متفشية لهذه الدرجة خلال حقبة الألفية الثالثة هذه كان أكبر من المعتاد خصوصا في مجتمع كان يفترض و لو بصورة ظاهرية على التحفظ و الألتزام ...
المخدرات ظاهرة عالمية و منتشرة في كل دول و مجتمعات العالم و اصبحت تشغل حيزا كبيرا بين فئات تلك المجتمعات و لكن لكل مجتمع ظروفه و مشاكله التي تتسبب فى انتشار المخدرات كحل سهل و سريع للهروب من تلك المشكلات التى قد لا تتشابه في الظاهر و لكنها تتشارك في المضمون و في تأثيراتها النفسية و الإنسانية على الفرد . و أنا هنا لا أتحدث عن المخدرات و تأثيرها على الشعب المصري و المجتمع المصري و بحث ظاهرة و كيف نجد حلا لها و نتحدث عن التربية و الدين و الأخلاق الخ الخ الخ الخ الخ ... في الحقيقة لقد مللت من كل هذا الكلام . و لكنى أتحدث أصلا عن ثقافة المخدرات التي زرعت في عقول و وجدان المصريين و كيف أن انتشار المخدرات أو بمعني أصح المواد المخدرة هي أتفه مشاكل هذا المجتمع و أن إنتشارها كان بسبب انتشار ثقافة المخدرات نفسها في عقول الشعب المصري ...
فثقافة المواطن المصري المبنية على المزاج أولا و أخيرا . جعلته يتعامل مع كل شىء في الحياة علي أنها قطعة مخدر توصل إليه الإحساس و التأثير الخاص بها . فكان التعامل مع الدين للأسف الشديد كنوع معين من المخدر . و التعليم . و الشغل . و الزواج . و الصداقة . و أخيرا ... الحب .
كلها مجرد قطع مختلفة من المخدر كل منها يوصل إحساسا معينا و نشوة معينة تكفيك للهروب من مشاكلك الحقيقية و تجنبك مواجهة العلل و النواقص التي تشعر و تدرك أنها بداخلك . فمبدئيا دعونا نتناول الدين كمثال أول و الذي بكل ما يحمله العقل من منطق أن مفهوم الدين قد تشوه و تشتت . بدءا من الخطاب الديني الذي أصبح يعاني من تعفن غير طبيعي فاحت رائحته حتي أزكمت أنوف الكثيرين و جعلتهم ينفرون منه و اخرون استمروا في الاستنشاق حتى تأخذهم سكرته . و الدليل أنه ليس عليك سوي أن تدير أي قناة دينية من تلك القنوات المنتشرة في الفضائيات و تتابع اي برنامج لتجد نفسك اصبحت مدركا و حافظا لكل جملة ستقال و كل موقف سيحكيه و كل حكمة و بيت شعر سيلقيه الشيخ المتحدث . فقد إنحصر الخطاب الديني في التحدث عن سنة النبي ( صلي الله عليه وسلم ) و قصص الصحابة و عذاب القبر و افضال الصوم و عقاب تارك الصلاة و الطهارة و التذلل لله كما لو أن الخطاب الديني تحول لدروس في التاريخ و قصص القدماء و السابقين و الزهد في حياة الدنيا التي هي مجرد عبث و سجن وضعنا فيه لنسجن أنفسنا فيه أكثر و إذا كنت قد سمعت ذلك الشريط منذ خمس أعوام عن عذاب القبر و شريطا عن التبرج و شريطا عن الصوم و شريطا عن علامات يوم القيامة فإنك ستجد شريطا أخر بعد ثلاث سنوات عن نفس الموضوع و برنامجا أخر عن نفس الموضوع و ثم برنامجا اخر عن نفس الموضوع ثم برنامجا أخر عن نفس الموضوع و خطبة عن نفس المواضيع كل صلاة جمعة بنفس الأحاديث و التعليمات و النصائح و الإرشادات ...
اما إذا كنت تبحث عن التجديد فعليك ببرامج الفتاوى التى تتصل فيها ربات البيوت و الرجال للتحدث عن حكم الدين في الجماع في الحمام و التيمم برمال القمر و هل إذا عطست فخرجت بواقي الطعام من فمي فصيامي جائز أم أني أفطرت .
اصبح مفهوم الدين هو هروب من فشل في الحياة و في الواقع و مع الناس و إرضاء شعور داخلي بانك أصبحت افضل و أسمى من كل ذلك و انك ترضي الله الأن بترددك على المساجد و الاستماع مرارا و تكرارا لدروس هؤلاء الشيوخ لتمصمص شفتيك بتلذذ و إعجاب و الاستماع لقصص الصحابة التي اصبحت تدركها و تحفظها قلبا و قالبا لترضي ذلك الشعور بداخلك انك الأن متدين و قريب من الله و تأخذ تلك النفحات الدينية بإستمرار لإشباع روحك و التخلص من كل شهوات و ملذات الدنيا و لا مانع بعد ظهور عمرو خالد من تغيير الأسلوب قليلا و جعله شيقا و اكثر انسانية و حبا و ابتساما كدليل علي التغير و التطور و سماحة الدين دون تغيير المضمون ليكون هذا هو اكبر دليل أن الدين أصبح عبارة عن مظهر خالٍ من المضمون السليم و دروس تاريخ لإشباع ذلك الشعور بالتدين و فعل الصواب كما لو انه اصبح بالفعل قطعة مخدر مخصصة لذلك .
و نأتي للعمل أيضا لنكتشف أنه أصبح قطعة مخدر اخرى فإذا كنا قد صرخنا و بحت اصواتنا عن تدني الأجور و عدم وجود المقابل المناسب للعمل تكتشف انك في الحقيقة لا تعمل و انها مجرد مسرحية تديرها أنت و صاحب العمل فانت في الحقيقة لا تعمل و انما تشغل ذلك الوقت الذي تستهلك فيه نفسك دائما سواء ماديا او نفسيا بنشاط أخر لا يمكن تسميته بعمل و الذي يحتاج لأن يكون له قواعد و انضباط و شروط و مبادئ و تنظيم كلها لا يتم الأخذ بها ثم تحصل علي أجر هو في الحقيقة ليس أجر حقيقيا من شدة ضعفه و تدنيه و كيف يمكن تسمية هذه المزحة التى تنالها هي أجرا ... و أجر عن ماذا ؟؟؟ عن عملك ... اي عمل هذا ؟؟؟ و أي اجر ؟؟؟ هذه مجرد خدعة لشغل الوقت و هروبا من مفهوم البطالة و لا يقال عنك انك عاطل او سلبي خصوصا انه كالخنجر الذي يغرز ببطء داخل روحك و جسمك و نفسيتك فتهرب منه بقطعة مخدرات اخرى تسمى انا شغال دلوقتى ... بس كلنا علي باب الله .
و الزواج ... الذي أصبح واجبا و طورا طبيعيا و مرحلة يجب ان تتطور إليها من قرد إلى خنزير لتشعر بانك رجل و تتحمل المسئولية و تحمي نفسك من الفتن و سعيا إلي (( الاستقرار )) و هروبا من شبح العنوسة و الوحدة و ضغوط المجتمع علي المرأة ... فإذا كنت تريد أن يقال عليك أنك تطورت لمرحلة الرجل و أنك قادر علي تحمل المسئولية عليك بالدخول في عجلة و مفرمة الشغل و تجميع الأموال و الجمعيات و حصد اكبر عدد ممكن من الألوفات لتتمكن من صنع عش الزوجية و حينها سينظر لك الكل بتقدير و بترحيب في الدلوف إلي عالم الرجولة و المسئولية و الترحيب بالفتاة من التخلص من شبح العنوسة و تحولها لمدام و ليحترق المستقبل و الشعور بالانسانية و لتذهب كل هذه المعاني إلي الجحيم لإرضاء ذلك الشعور و المجتمع و تستمر تلك البيوت في التحلل و التعفن من الداخل كالبيوت و ان هذا شىء يجب التعايش معه مثلما تعايش معه أهالينا السابقين و نحن اللاحقين في هذه الحياة .
التعليم و هيا بنا ندخل اطفالنا في طاحونة إستخراج رخصة الشهادة لتركن بجوار شهادة التجنيد و شهادة التسنين و يلحقهم بعد عمر طويل شهادة الوفاة و لكن في الحقيقة أن هذه رخصة إتمام إجرائات التعليم على افضل ما يكون بينما انت تدرك ان طفلك هذا ليس ذاهبا إلى هذه المدرسة للتعليم و إنما لملء فراغ الحضور و الغياب و أن ذلك المدرس الخصوصي لم يأت لتعليم ابنك المادة و مفاهيمها و أصولها و انما أصول اللعبة و الحفظ و الرد علي الأسئلة و ملء خانات الامتحان ... مجرد قطعة مخدر اخرى
ثم يأتي من بعد كل هذا الصداقة ايضا ... التي أصبحت واحدة من أهم أنواع المواد المخدرة انتشارا و شعبية كالحشيش تماما حيث ان فكرة الصديق اصبحت بشكل أساسي في معظم العلاقات تقتصر علي مصلحة ما بعيدا عن المصالح المادية و و و و و ... هناك ايضا تلك المصالح النفسية مثل ارضاء شعور داخلي بأن فلانا صديقك و أن فلانا يستطيع أن يشغل وقتك و يرفه عنك , و قتل الملل , و ربما إذا كانت هناك بعض المواقف الصعبة الوقوف بجانبه لاشباع تلك الرغبة و الشعور بأنك كنت صديقا مخلصا و لديك في حياتك تلك الصداقة المؤثرة القوية ... لكن في الحقيقة أن هذه الصداقة في أخر اولوياتك و أنها مجرد شغل أخر للوقت و لشعور معين بداخلك و لكن عند التضحيات الكبيرة يكون الانسحاب ... أو الانخراط في العمل أو أصدقاء أخرين كفيلا بأن تبتعد مع الوقت عن هذا الصديق و عدم تخصيص وقت له من حياتك و يومك لتكون بجواره ... يجب أن يكون لديك صديق ... أي صديق ... ستفتقد الكثير من المتع و الاحاسيس إذا لم يكن لديك صديق ... قطعة مخدر اخري ...
الحب ...
قطعة المخدر المغلفة بالقصائد و الأغاني و الكلام المعسول و الكثير من الإنسانيات و التكافل الإحساسي من نوعية (( ثومة العاشق يقول أيه لثومة الفنان وحشتني اوي أنت فين ما تيجي بقا )) قطعة المخدر التي يبحث عنها كل مراهق و كل شاب و كل رجل و إمرأة لإشباع ذلك الشعور النفسي المحبب لوجود ذلك الحبيب و تدرك حالات "سطلانه" من بين (( جيجي أنتمت مع تامر إللي كان ماشي مع نسرين إللي سابت هيثم إللي كان مرتبط بسعاد خطيبة إبراهيم إللي كان مرتبط بـجيجي إللي عما خلصنا الجملة دي سابت تامر و بقت مرتبطة بسيد إللي من برة الشلة )) أو (( ذلك الشاب الانطوائي الذي يعانى من قلة العلاقات الإنسانية القريبة و الحميمة إلي قلبه و يرتبط بتلك الفتاة التي ستشعر بملء ذلك الفراغ من الأحاسيس بداخلها و توجيهه إلي شخص ما سيبادلها الكلام المعسول و كلام الحب عن كونها المنقذة التي فهمت الأنا الخاص به دونا عن البشر أجمعين و تتحول تلك العلاقة إلى بالوعة من العقد النفسية التي يتشاطرانها سويا )) إلي المتحررين ... إلي الخبيثين ... نهاية بالبعض الأخر الذي يصبح صريحا مع نفسه و يقصر العلاقة على حب و كلام معسول متبادل لاشباع الحاجات النفسية و الجسدية دون رغبة في تطوير العلاقة إلي زواج او مصارحة الناس المحيطة بهما لإداركهما أن هذا هو المطلوب الحقيقي من مفهوم الحب حاليا و قد يتزوج الطرفان كل منهما بشخص اخر لكن تستمر التليفونات و أحاديث النت الليلية أو الصباحية حسب الظروف التي تسمح لهما بمزاولة هذه العلاقة خلسة ...
أصبح الهم الشاغل لكثير من الشباب البحث عن الحب لمجرد الحب و البكاء طوال الوقت عن ذلك الحبيب الذي لم يأت بعد و ننتظره و نناديه كل يوم في وحدتنا و أحلامنا و نسعد جدا عندما تتهيأ كل الظروف و المعطيات لنتمكن أخيرا من تبادل و قول كلمة بحبك دون وجود الحب نفسه لشخص ما ... الحب يفترض ألا نسعى إليه ... الحب يأتي وحده ... و قد لا يأتي ... و لكنه اصبح قطعة مخدر اخري نعيش و نتعايش عليها ... نبحث عنها و نقطع في لحومنا بحثا عن جرعته
و أخيرا إذا لم تجد ملذتك في كل هذه المخدرات و تأففت منها إذا إليك قطعة الحشيش هذه بأرخص الأسعار او الأدوية الكيماوية او المشروبات الكحولية كحل بديل لإشباع كل تلك المشاعر بداخلك و انت تجلس و حيدا او مع المدمنين أمثالك ...
هناك 4 تعليقات:
لو كل دول معانيهم اتبدلت كده ..
انا هشرب حشيش
:))))))))))
عندك حق بجد
ولسة كنت بتكلم في موضوع الحب والنت والشات والفيس بوك كل دة ماهو الا حياة افتراضية بنخلقها لينا هروبا من الواقع بنملي فراغ جوانا ناتج عن فراغ في الحياة وتعددت صور المخدر والهروب واحدااا
دمت بالف خير
كلامك صح اوي
بتعرف انت قلتها
الهرب الى الدين - الحشيش - الادمان على النت
كلها ظواهر انتشرت
فقط لتبرير الفشل الذي نعانيه
مقال رائع
فيك تشيل منو اسم الشعب المصري و تبدلوا بالشعب العربي و هيك رح يكون كامل ووافي لتقدير حالتنا
تحية
لكنى أتحدث أصلا عن ثقافة المخدرات التي زرعت في عقول و وجدان المصريين و كيف أن انتشار المخدرات أو بمعني أصح المواد المخدرة هي أتفه مشاكل هذا المجتمع و أن إنتشارها كان بسبب انتشار ثقافة المخدرات نفسها في عقول الشعب المصري ...
.......
المقال بيعرض فعلا شريحة عظمى من المجتمع و الاكاذيب اللى الناس بتعيش فيها سواء بوعي او بدون وعي .. بس ده مش عبارة عن ثقافة المحدرات فى المجتمع المصري زي ما قلت فى اول المقال .. دي الطبيعة البشرية ذاتها .. الرغبات الاساسية اللى بتبحث عن اشباع في كل عقل .. و ده موجود على مستوى العالم .. انت بس تناولت الفكرة من وجهة نظر و ظروف المجتمع المصري .. و ربطها بالمخدرات .. هي مش السبب .. او المشكلة مش في فكرة المخدر بالنسبة للشعب لأن دي طبيعة بشرية محدش يقدر يتخلص منها .. لكن العقل بيتدخل يخلينا نشبعها بشكل صحيح او شكل وهمي .. اللى انت عرضته كله عبارة عن الشكل الوهمي اللى الشعب بيشبع بيه رغباته .. في الواقع بالفعل اشباع الحاجات النفسية بيصاحبه احساس يشبه الاحساس بعد تعاطي المخدرات .. كلها عبارة عن كيميا بتحصل فى الدماغ .. سواء بقى تحصل بشكل طبيعي ( عن طريق اشباع الحاجات ) او بشطل صناعي ( عن طريق المخدرات ) .. بس فى النهاية النتايج متقاربة فعلا ..
إرسال تعليق